يمكنك التبرع باستخدام (أبل باي) باستخدام متصفح سفاري
الرياض - حي المروج
0554200750
يأخذنا تفسير سورة القيامة في رحلة عميقة ومحورية لإثبات أعظم قضايا العقيدة الإسلامية، وهي البعث والجزاء.
هذه السورة المكّية في أغلبها، تعد من أقوى السور في تثبيت اليقين، إذ تجسد قوة قدرة الله المطلقة على إعادة خلق الإنسان بعد الموت، وتكشف عن أهوال يوم الحساب بدقة مؤثرة.
إن قراءة وفهم سورة القيامة ليست مجرد دراسة للآيات، بل تجربة تربوية روحانية تُوقظ الوجدان، وتزرع اليقين، وتدفع الإنسان للتفكر في حياته، وتصحيح مساره بما يرضي الله ويعدّه للقاءه العظيم.
هنا، سنوضح لك بالتفصيل تفسير هذه السورة المباركة والدروس المستفادة منها.
افتتحت السورة بقسمين عظيمين لتقرير حقيقة البعث:
﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾
هذا استفهام إنكاري على من ظن أن الله لا يقدر على جمع عظامه المتفرقة.
يأتي الرد الحاسم بـ (بَلَى)، مؤكداً القدرة الإلهية، ليس فقط على جمع العظام، بل على التسوية الدقيقة لـ (بَنَانَهُ)، أي أطراف أصابعه وأنامله.
وهذا دليل على عظيم القدرة والخلق، فمن قدر على خلق الأنامل الدقيقة، قادر على إعادة الخلق كله.
يبين تفسير سورة القيامة في هذه الآيات، الدافع الخفي وراء إنكار البعث ووصف المشهد العظيم عند وقوعه:
﴿ بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ﴾
السبب الحقيقي للإنكار ليس العجز العقلي، بل هو الرغبة في الفجور، أي أن يبقى الإنسان على شهواته ومعاصيه دون خوف من حساب قادم، ولذلك يسأل عن يوم القيامة استهزاءً واستبعادًا لوقوعه.
مشهد الفزع: تبدأ أهوال الساعة: ﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾
عندما يدهش البصر ويتحير من الرعب، ويُطمس ضوء القمر، وتُجمع الشمس والقمر في ذهاب الضوء، هنا يصرخ الإنسان بـ ﴿ أَيْنَ الْمَفَرُّ ﴾؟
﴿ كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ﴾
وهنا يأتي الرد من الله سبحانه وتعالى، لا ملجأ ولا منجى ولا مأوى، فالمصير والمستقر في ذلك اليوم هو إلى الله وحده ليُجازي كل نفس.
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
في ذلك اليوم، لن تنفع الأعذار، فالإنسان نفسه هو الحجة القائمة على أفعاله، ويشهد على نفسه بعمله.
توضح هذه الآيات ضرورة أن يستمع النبي للوحي دون استعجال بترديد الآيات أثناء نزولها، فالله تكفّل بجمع القرآن في صدره وبيان معانيه له، وهذا يظهر عناية الله بنبيه وحفظه لكلامه.
﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾؛ أي أن مهمة جمعه في صدرك وتيسير قراءته وحفظه علينا نحن.
تحذير من فتنة الدنيا: يستأنف السياق للحديث عن منكري البعث، مُوضحًا سبب ضلالهم: ﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ ﴾.
إنها محبة الدنيا الفانية وترك العمل للآخرة الباقية، وهو أصل كل معصية وإنكار.
هنا في تفسير سورة القيامة يوضح الله صورتين لمصائر البشر:
مصير السعداء (أهل الجنة)
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ﴾ أي مشرقة، وحسنة، وناعمة.
﴿ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ تتمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، وهي أعظم النعم.
مصير الأشقياء (أهل النار)
﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ﴾ أي عابسة، كئيبة، ومظلمة.
﴿ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ﴾ تتيقن أن ستحل بها عذاب ومصيبة عظيمة.
تختتم السورة بمشهد الموت القاسي الذي يسبق البعث، ثم الحجة القاطعة على الإعادة:
﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِي……. إلى أخر الآيات.
لحظة الاحتضار ونزع الروح: عندما تبلغ الروح عظام التراقي (أعلى الصدر)، ويسأل الناس عن طبيب أو راقٍ يشفيه، ويتأكد المحتضر من الفراق، وتتصل شدة الدنيا بشدة الآخرة (الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ)، هنا يكون المصير والمَساق إلى الله للحساب.
ثم توضح الآيات عاقبة الكافر الذي ﴿ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾، ثم كان يمشي مختالاً فخوراً بنفسه ﴿ يَتَمَطَّى ﴾. وتأتيه اللعنة والتهديد ﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾.
الدليل القاطع على البعث: تختم السورة بالدليل العقلي على قدرة الله:
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾؟ (أي يُترك مهملاً دون حساب أو أمر ونهي؟)
والجواب ﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى... أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾
الذي خلق الإنسان من نطفة ضعيفة، ثم سوّاه وجعل منه الذكر والأنثى، قادر بالتأكيد على إعادة إحيائه مرة أخرى بعد موته.
تبدأ قصة سورة القيامة بالرد الحاسم على منكري البعث من المشركين.
حيث يعرض تفسير سورة القيامة الرد الإلهي على استبعاد الكافرين أن يجمع الله العظام البالية بعد الموت، بل واستهزائهم بيوم الحساب وسؤالهم عنه استنكاراً: "متى يوم القيامة؟" نزلت هذه السورة لترد عليهم بثلاثة محاور رئيسية:
قوة القَسَم: القَسَم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة لتأكيد حتمية وقوع الحساب.
الدليل المادي: إثبات القدرة الإلهية على الإعادة من خلال الخلق الأول (من نطفة) والتسوية الدقيقة لبنان الإنسان (الأصابع).
الرد العملي: بيان الدافع الحقيقي للإنكار وهو الرغبة في الفجور المطلق دون حسيب أو رقيب.
يوضح لنا تفسير سورة القيامة دروسًا عقدية وسلوكية عميقة، منها:
حتمية البعث والتوكيد أن يوم القيامة آتٍ لا محالة.
كمال القدرة الإلهية في خلق الإنسان.
مصير الإنسان في الآخرة يتحدد بناءً على ما قدمه وأخره في الدنيا، مما يدل على عدل الله في المحاسبة.
أهمية النفس اللوامة التي تحاسب صاحبها على المعصية والتقصير، والحرص على إحياء هذه النفس وتنقيتها هو طريق النجاة.
اليقظة من فتنة الدنيا وترك الآخرة.
تذكر لحظة الاحتضار ومشهد سكرات الموت و وصول الروح إلى التراقي وهو أكبر موعظة، حيث يرى الإنسان نهاية الدنيا وبداية الآخرة، ويؤكد أن المستقر الأخير هو إلى الله للحساب.
في جمعية تعلّم لتعليم القرآن الكريم وعلومه، نولي اهتمامًا خاصًا بتفسير سورة القيامة لما تحمله من مشاهد عظيمة تُوقظ القلوب، وتُذكر بيوم الحساب، وتبين حقيقة الإنسان بين ضعف منشئه وعظمة مصيره.
فهذه السورة تُعد من أقوى السور إذ تجمع بين دلائل البعث، ومشاهد يوم القيامة، ووصف حال الإنسان عند الاحتضار، مما يجعلها محورًا أساسيًا في برامجنا التعليمية.
لذلك خصصنا لسورة القيامة برامج تعليمية متكاملة ضمن حلقاتنا القرآنية تهدف إلى ما يلي:
تحليل حكمة القَسم بيوم القيامة والنفس اللوامة، وربطها بالدليل على البعث ﴿ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾.
دراسة الدافع الحقيقي للإنكار والرغبة في الفجور وكيف يغدو الإنسان حجة على نفسه ﴿ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾.
تدبر التباين البلاغي بين وجوه أهل النعيم المشرقة ﴿ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾، ووجوه الأشقياء العابسة ﴿ بَاسِرَةٌ ﴾، مما يرسخ مفهوم الجزاء العادل.
نعمل على تدريب الطلاب على الأداء الصوتي المتقن لآيات السورة، مع التركيز على:
إتقان مخارج الحروف وصفاتها، وضبط أحكام المدود والغُنات، مما يرفع من جودة التلاوة ويضاعف تأثيرها الوجداني.
نوفر بيئة تعليمية محفزة تجمع بين الأساليب السردية والتخيل الإيجابي:
حيث نستخدم الشرح العلمي المُبسط لحقيقة خلق الإنسان من ﴿ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ﴾، لغرس التواضع لله وإدراك عظمته في الخلق، مع التركيز على أن القادر على الخلق الأول هو القادر على الإعادة.
نُقدم تفسير سورة القيامة للأطفال بأسلوب رقيق يركز على مفهوم الصدق الذاتي، أي أن الإنسان على نفسه بصيرة، مما يغرس مفهوم المسؤولية واليقين بلقاء الله دون إثارة الخوف غير التربوي.
من خلال هذه الجهود، نسعى لتخريج جيل يفهم معنى التكليف الإلهي ويدرك حقيقة قِصر حياته الفانية، ويعيش بوعي مستمر باليوم الآخر، حيث يكون المساق إلى الله ليوم الحساب، مستنيراً بهدي تفسير سورة القيامة في اتخاذ قراراته وسلوكياته اليومية، ليكون من أصحاب الوجوه الناضرة يوم القيامة.
انضم الآن لحلقات جمعية تعلم للقرآن وعلومه وكن شريكاً في بناء جيل يدرك أن المساق إلى الله حق، ويستنير بهدي تفسير سورة القيامة.
تخيل أن كل حرف يتلوه أحد الطلاب بفضل دعمك، يُكتب لك في ميزان حسناتك!
لا تفوّت فرصة هذا الثواب العظيم، وكن سببًا في إحياء القرآن وتعليم أجيالنا القادمة.